الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الأردنيون والأردنيون!

    ثمّة حساسية مبرّرة وهواجس مشروعة تتبدّى عند طرح موضوع العلاقة بين الأردنيين من شرق النهر وغربه (أو ما نصطلح عليه بالشرق أردنيين والأردنيين من أصول فلسطينية)، ومصدر هذا التحسس والقلق في استخدام "المصطلح" ابتداءً، إذ ينطوي على تقسيم جغرافي لمواطني الدولة، وثانياً من أن يؤدي فتح الموضوع، بحدّ ذاته، إلى إشعال النعرات، من دون القدرة على إغلاق الصندوق تالياً.
    الحجج السابقة منطقية ومفهومة تماماً، وهي التي تبنّاها فريق عريض من الفاعلين على صفحات التواصل الاجتماعي إزاء الصدى الهائل الذي أحدثته ورشة سياسية أقامها أحد النواب مؤخراً حملت عنواناً جدلياً وإشكالياً (عزوف الأردنيين من أصول فلسطينية عن المشاركة في الانتخابات)، وشارك فيها رجال دولة كبار، مثل طاهر المصري وعبد الرؤوف الروابدة، وكان حجم المتابعة والتعليق عليها في الأوساط الاجتماعية والسياسية هائلاً.
    مع ذلك، فإنّنا لا نستطيع أن ندفن رؤوسنا في الرمال وندّعي أنّه لا توجد مشكلات جوهرية أو إشكاليات، في الحدّ الأدنى، ولعلّ ردود الفعل الصاخبة بحدّ ذاتها دليل ساطع على أنّ هنالك ما يتطلب النقاش المعمّق والحقيقي على صعيد هذه العلاقة، جزئياً، وعلى صعيد المجال العام كليّاً، وفتح الموضوع جاء طبيعياً بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، وليس هناك أمر يدبّر بليل، أو مؤامرة كونية وراء طرقه، بل المسألة مرتبطة بضرورة أن نتصارح ونتصالح داخلياً على مستويات عديدة.
    المصطلحات مقلقة؟! نعم، فالأصل أنّنا جميعاً أردنيون وأردنيون، لا فرق بين مواطن وآخر، فالكل تحت مظلة القانون وحكمه. لكن في الواقع هنالك أبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية من الضروري أن تعالج وتناقش، ولا يوجد مشكلة في استخدام هذه المصطلحات إذا كان الهدف العلاج والحوار العقلاني الموضوعي والسياسي الهادف، طالما أنّ هذه المصطلحات ليست مخترعة، بل هي موجودة وتمثّل ديناميكيات على أرض الواقع شئنا أم أبينا، إلاّ إذا أصررنا على إنكار الواقع!
    إلاّ أنّ مناقشة الموضوع بصورة عقلانية واقعية وطنية مسؤولة لا تتم عبر ندوة عامة وخطابات عرمرمية، وفتح الباب للآهات والشكاوى والدعاوى، فستكون النتائج معكوسة تماماً، والهواجس المطروحة محقّة، فالمطلوب أن يكون هنالك نخبة من المثقفين ورجال الدولة والسياسيين المسؤولين يتناقشون بهدوء خلف الأضواء ويشخّصون المشكلة واستراتيجيات العلاج، أو بعبارة أخرى يصوغون التوافقات الوطنية الجامعة لهذه المعادلة وغيرها، كي نمضي إلى الأمام ونحن نسير على طريق واضح، ونفتح مكان الجرح لإخراج المواد الضارّة، بمبضع الطبيب الجرّاح الحكيم، لا الهاوي أو الطبيب المزوّر والمدّعي!
    بالعودة إلى صميم الموضوع فإنّ هنالك مشكلات جوهرية في علاقة الدولة بالمواطنين، جميعاً، ليس فقط ذوي الأصول الفلسطينية، بل حتى الشرق أردنيين.
    هناك من يريد وضوحاً أكبر في علاقته بالدولة في الجانب السياسي والمدني والحقوقي، وفي التأكيد على أنّه مواطن كامل الدسم، وأنّه ليس درجة ثانية أو ثالثة، ولهذا علاقة، بطبيعة الحال، بالقضية الفلسطينية وبقرار فك الارتباط وبتعقيدات قانونية وتاريخية معروفة لديكم، لكن لا يمنع من الوضوح القانوني والسياسي، والتوافق على خطاب ناصع البياض من قبل الدولة تجاه هذه الفئة.
    في المقابل، هنالك أزمة ثقة متنامية وعميقة لدى الشريحة الاجتماعية الأخرى، سكان المحافظات، في علاقتهم بالدولة، وفي إدماجهم الاقتصادي، بعد أن حدثت تحولات جوهرية في دور الدولة الاقتصادي- الاجتماعي، بينما ما يزال خطاب الدولة متحجّراً خشبياً مرتبطاً بالمعادلة السابقة، وهنا نحن أيضاً بحاجة إلى رسالة سياسية قوية من قبل الدولة تضع المواطنين في التحديات الجديدة، وترسم خريطة طريق للمستقبل، بدلاً من المعادلة الرمادية التي تخلق إرباكاً شديداً وتخرج منها بين الحين والآخر أزمات خطيرة!





    [29-08-2017 11:35 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع