الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    شبابنا: يا وجعنا

    في وثيقتهم الأخيرة، يقول لنا خبراء البنك الدولي إن شبابنا يشعرون بالاغتراب. الخبراء لا يدركون قسوة ما يعلنون عنه بأن الحكومات فشلت بتجفيف هذا الشعور المتصاعد لأكثر من سبب.
    كيف لنا أن نحمي شابا أردنيا من شعور الاغتراب، حين يكون قد أنهى دراسته الجامعية منذ سنوات، وما يزال يقف في طابور العاطلين عن العمل! وكيف نقي فتاة تتعرض لكثير من ألوان التمييز والقهر والظلم من الإحساس نفسه!
    المؤسسة الدولية وخبراؤها غير الأردنيين، اكتشفوا ما لم تقتنع به الحكومات، إذ استطاعوا أن يشخصوا حال الشباب الأردني أكثر من حكوماتهم التي أغمضت أعينها عن واقعهم.
    كلمة "الاغتراب" هذه تخفي خلفها الكثير، وتفضح قصور الحكومات تجاه هذه الشرائح المهمة من المجتمع، وهي الشريحة المسؤولة عن حمل الحاضر وبناء المستقبل.
    خلف توصيف "الاغتراب"، ثمة وجع كبير، وشعور بالغصة لم يولد فجأة، بل كان نتيجة طبيعية للوضع القائم؛ سياسيا واجتماعيا، وأهم من ذلك اقتصاديا، وسببه أيضا خطط واستراتيجيات وبرامج لم تنعكس على حياتهم، ووعود كثيرة وكبيرة لم تنفذ، وتخبط كبير في كثير من الجوانب التي ادعى المسؤولون أنهم يوجهونها إلى الشباب غير أنها كانت عبارة عن "فزعات" غير مدروسة، وسرعان ما ذهبت أدراج الرياح.
    بطالة الشباب وتهميشهم، على الأقل اقتصاديا، كفيلان بإخراج كثير من المشاعر السلبية وأهمها الشعور بعدم الجدوى وعدم الإنتاجية وغياب الأفق والأمل بالمستقبل، وأحيانا طغيان الشعور بالعبثية، وأنه ما من شيء يمكن له أن يصلح الوضع المتأزم القائم.
    بحسب الوثيقة التي توضح فيها المؤسسة الدولية حال شبابنا فإن الشباب، وتحديدا في المناطق النائية التي يقصدون بها المحافظات وسكانها، يتنامى شعورهم بالغربة، وأنا أستطيع أن أضيف أن الشباب في مختلف المناطق يعانون من المتلازمة نفسها، مع اختلاف حدة الشعور.
    ووفق البنك، فإن شبابنا تأثر أكثر من غيره من تداعيات "التباطؤ الاقتصادي" الذي تعيشه المملكة منذ سنوات طويلة وعمّقه، أيضا، اللجوء السوري الذي ألقى بظلاله على هذا الوضع الصعب، ليدخل في منافسة مع الشباب على الموجود، وهو قليل ومحدود أصلا.
    الخطورة تكمن في أن الشعور معرض للنمو كلما قست الظروف الاقتصادية، خصوصا أن نسبة الفقراء في الأردن والمقدرة بحوالي 14 %، عرضة للزيادة نتيجة السياسات المالية والظروف الاقتصادية الصعبة، إذ تشير الدراسات الدولية إلى أن ثلث السكان معرضون للوقوع ضمن خط الفقر خلال سنة واحدة، نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل بشكل كبير.
    الشباب يجدون الحكومات غير قادرة على تلبية توقعاتهم، خصوصا في دخول سوق العمل ليكونوا جزءا من آلة الإنتاج ودائرته، ودليل ذلك محدودية فرص العمل التي ينتجها الاقتصاد، والتي تم تقديرها بحوالي 26 ألف فرصة عمل خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي.
    المشكلة أن الحكومات طالما عقدت المؤتمرات لإعلان دراساتها ومسوحاتها، ونستطيع أن نعدد قائمة طويلة منها، لكن القصة دوما كانت في التنفيذ؛ إذ ظل الالتزام بالعهود وعدم تنفيذها مسألة عابرة للحكومات.
    وتتعقد المسألة حين ندرك أن الشباب الذين يفترض أن يمثلوا فرصة حقيقية للتنمية والبناء، بلغوا هذا الحال ونحن لم ندق ناقوس الخطر حتى الآن. فالشباب الذين يجدون أنفسهم فريسة للبطالة، سيكونون، بلا شك، غير منخرطين بالهم العام، وسنجد أنه من الصعب علينا جعلهم يفكرون بواقعهم وقضاياهم الملحة، خصوصا أنه تغيب عنا أدوات المساعدة في إدماجهم، ما يجعل المجتمع يخسر عنفوان شبابه وديناميتهم.
    لكن الأخطر من ذلك هو علمنا الأكيد أن الشعور بالاغتراب طريق قصير للتطرف والجريمة والعدمية والفراغ والمخدرات، فكم يستلزم أن نفقد من شبابنا حتى تستيقظ الحكومات، وتسعى لحلول اقتصادية تسعفهم، وتنتشلهم من ضياعهم، وتخلق لهم أوعية فكرية تستوعب طاقاتهم وتشبع طموحاتهم ببناء وطنهم الذي باتوا غرباء عنه.





    [29-08-2017 11:25 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع