الرئيسية أحداث دولية

شارك من خلال الواتس اب
    كلمة السرّ الصينيّة: للحرب النوويّة المرتقَبة

    أحداث اليوم -

    إلى أيّ مدى يا ترى يمكن أن يصحّ القول بأنّ عقيدة "توازن الرعب" التي يعود إليها الفضل الأكبر في الحيلولة دون استخدام الأسلحة النوويّة في أيٍّ من الحروب التقليديّة التي شهدها العالم على مرّ السنوات الطويلة الماضية أصبحت معرَّضةً في هذه الأيّام للزوال على خلفيّة اشتداد قرع طبول الحرب بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وكوريا الشماليّة وما يترافق مع ذلك من سيناريوهاتٍ خطيرةٍ وتوقُّعاتٍ مروِّعةٍ واحتمالاتٍ كارثيّة؟

    سؤالٌ، لا يختلف اثنان من الخبراء الاستراتيجيّين على أنّ الإجابة عنه أصبحت أكثر إلحاحًا من أيّ وقتٍ مضى من عمر الأزمة المتوارَثة أبًا عن جدٍّ في شبه الجزيرة الكوريّة، وخصوصًا بعدما أصبح في حكم المؤكَّد أنّ قيام الأميركيّين خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية برفع درجة التأهُّب في ولاية هاواي وجزيرة غوام الباسيفيكيّة تحسُّبًا لاستهدافها بهجماتٍ باليستيّةٍ نوويّةٍ من الأراضي الكوريّة الشماليّة، وإنْ بدا وكأنّه يندرج في سياق خطوةٍ اعتياديّةٍ غالبًا ما كانت الولايات المتّحدة تُقدِم عليها في السابق كلّما كان التوتُّر يصل إلى ذروته بين واشنطن وبيونغ يانغ، ولكنّ مكمَن خطورته غير الاعتياديّة يتمثّل حاليًّا في أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يبلغ التوتُّر المذكور فيها منتهاه في ظلّ ظهور انقسامٍ حادٍّ في الرأي داخل الإدارة الأميركيّة نفسها حول سبل التعاطي مع منسوب الخطر الراهن، وهو الانقسام الذي خرج إلى العلن إثر تضارب مغزى التهديدات التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب بشأن محو كوريا الشماليّة من الوجود مع فحوى التصريحات الهادئة والداعية إلى الحوار التي أدلى بها وزير خارجيّته ريكس تيليرسون.

    وإذا كان هذا الانقسام قد أدّى بطبيعة الحال إلى تصاعد حدّة الانتقادات الموجَّهة للبيت الأبيض بسبب إيصال الأمور إلى نقطة اللا عودة من حيث ترسيخ الاعتقاد القائل بأنّ الحرب الأميركيّة – الكوريّة الشماليّة تكاد تصبح بمثابةِ شرٍّ لا بدّ منه، ولدرجةٍ دفعت البعض إلى عدم التردُّد في وصف موقف الرئيس ترامب حيال تطوّرات الأزمة بـ "الأرعن"، فإنّ ما يزيد الطين بلّةً هنا يمكن أن يُستشَّف بسهولةٍ من خلال الزهوّ الضمنيّ الذي يبدو مقصودًا في تصريحات عددٍ من قادة المؤسّسة العسكريّة في البنتاغون لدى تحدُّثهم بأسلوبٍ ترويجيٍّ عن فكرة "الحرب النوويّة المحدودة"، معتمدين في ذلك على النجاح الذي تحقَّق إثر تطوير القذيفة الاستراتيجيّة “B61- 12” التي تُلقى من طائراتٍ قاذفةٍ، وهي عبارةٌ عن مجموعةِ قنابلَ نوويّةٍ صغيرةٍ خارقةٍ للدفاعات وتجمع ما بين التقنيّة التي تمّ استخدامها لدى قصف جبال "تورا بورا" في أفغانستان عام 2001 وما بين تقنيّة الـ “Orange Ball” التي تخترق التربة إلى عمقٍ يتجاوز الثلاثين مترًا، ممّا يؤدّي إلى انفجارها تحت الأرض مسبِّبةً دمارًا هائلًا بينما تستوعب التربة معظم أثرها الإشعاعيّ، وهي التصريحات التي تبدو موجَّهةً إلى الداخل الأميركيّ أكثر بكثيرٍ من الخارج، ولا سيّما أنّها لم تأخذ في الاعتبار أنّ القذيفة الاستراتيجيّة المذكورة لا يمكن أن تشكِّل دفاعًا كافيًا ضدّ القصف المدفعيّ التقليديّ لكوريا الشماليّة القادر على دكّ كوريا الجنوبيّة بأكثر من عشرةِ آلافِ قذيفةٍ في غضون دقيقةٍ واحدةٍ فقط، الأمر الذي لا بدّ من أن يخلِّف وراءه مئات الآلاف من الضحايا على الفور.

    لا شكّ في أنّ الرغبة في العمل على الإطاحة بالنظام الكوريّ الشماليّ، وإنْ ظلّت تشكِّل منذ عام 1945 ولغاية يومنا الراهن هدفًا استراتيجيًّا للولايات المتّحدة، ومن ورائها لكلٍّ من كوريا الجنوبيّة واليابان، ولكنّ العقبات التي حالت دون تحقيق ذلك حتّى الآن، وعلى رغم تنوُّعها قبل تفكُّك الاتّحاد السوفييتيّ وبعده، ظلّت تتمثّل باستمرارٍ في عدم وجود دراساتٍ أو تقاريرَ استخباراتيّةٍ جدّيّةٍ يمكن الوثوق بها أو الاعتماد عليها لقياس المستوى الحقيقيّ والدقيق لولاء القيادات العسكريّة في بيونغ يانغ لرأس ذلك النظام، باستثناء بعض التلميحات الخجولة التي تحدّثت مؤخَّرًا عن محاولاتٍ صينيّةٍ لتشكيل لوبي معتدلٍ داخل مؤسّسة الجيش هناك، علمًا أنّ ملَكَة الرئيس كيم جونغ أون الأمنيّة المشهورة بتفوُّقها في مجال استشعار أيّ خطرٍ داخليٍّ، شأنه في ذلك شأن أسلافه، ما زالت تجعل من الصعب جدًّا على جنرالاته، بمن فيهم المقرَّبون إليه، السفر خارج البلاد، حتّى ولو كانوا يرغبون في القيام برحلاتٍ قصيرةٍ إلى الصين.

    من هنا، وعلى رغم عدم وجود أيّ مؤشِّراتٍ جدّيّةٍ من شأنها الإيحاء بأنّ الرئيس الكوريّ الشماليّ مهدَّدٌ في هذه الأثناء من الداخل، فإنّ ذلك لا يُلغي بالطبع فرضيّة وجود نوايا خارجيّةٍ تسعى إلى التأسيس لتشكيل مثل هذا التهديد، الأمر الذي لا بدّ من أن يتّضح أكثر فأكثر إذا ما وضعنا في الحسبان تسريباتٍ صحافيّةً في غاية الأهميّة كانت قد أشارت صباح اليوم الخميس إلى أنّ الضربات الأشدّ إيلامًا في جسم العلاقات الدوليّة غالبًا ما تأتي من أقرب الأصدقاء، وذلك في إشارةٍ مباشِرةٍ إلى أنّ الصينيّين وحدهم يمكن أن يلعبوا دور الضامن في الأزمة الأميركيّة – الكوريّة الشماليّة الراهنة تمامًا مثلما يمكن أن يلعبوا أيضًا دور المدمِّر لنظام كيم جونغ أون.

    أمّا بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، وعلى رغم حالة التأهُّب الراهنة في ولاية هاواي وجزيرة غوام وكلّ ما تقدَّم ذكره حول زهوّ رجال البنتاغون بقدراتهم النوويّة، فأغلب الظنّ هو أنّ سياسة توتير الأجواء المقصودة عن سابق عزمٍ وتصميمٍ إنّما تستهدف التغطية على أزمةٍ داخليّةٍ أميركيّةٍ ما زالت تتفاعل باضطرادٍ بين القوى النافِذة هناك منذ دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في مطلع العام الحالي ولغاية يومنا الراهن.. وحسبي أنّ الخطر الحقيقيّ من كبسةِ زرٍّ نوويٍّ يكمُن هنا، وأن الكوريّين الشماليّين يُستدرَجون للردّ بالمثل.. وحسبي أيضًا أنّ كلمة السرّ حول فرص الحلّ والربط في مسألة "توازن الرعب" المصيريّة التي تهدِّد أمن العالم واستقراره ستبقى اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخر في بكين.. والخير دائمًا من وراء القصد!





    [10-08-2017 04:31 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع